فصل: قَاعِدَةٌ تَفْسِيرِيَّةٌ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.الْقِسْمُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: بَابُ الِاشْتِغَالِ:

فَإِنَّ الشَّيْءَ إِذَا أُضْمِرَ ثُمَّ فُسِّرَ كَانَ أَفْخَمَ مِمَّا إِذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ إِضْمَارٌ أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَجِدُ اهْتِزَازًا فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أحد من المشركين استجارك فأجره}.
وَفِي قَوْلِهِ: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رحمة ربي}.
وَفِي قَوْلِهِ: {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ والظالمين أعد لهم عذابا أليما}.
وَفِي قَوْلِهِ: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة}- لا تجد مثله إذا قُلْتَ: وَإِنِ اسْتَجَارَكَ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأَجِرْهُ. وَقَوْلُكَ: لَوْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي. وَقَوْلُكَ: {يدخل من يشاء في رحمته وأعد لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا} وَقَوْلُكَ: هَدَى فَرِيقًا وَأَضَلَّ فَرِيقًا إِذِ الْفِعْلُ الْمُفَسَّرُ فِي تَقْدِيرِ الْمَذْكُورِ مَرَّتَيْنِ.
وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}، {إذا السماء انفطرت}، وَنَظَائِرُهُ، فَهَذِهِ فَائِدَةُ اشْتِغَالِ الْفِعْلِ عَنِ الْمَفْعُولِ بضميره.

.الْقِسْمُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: التَّعْلِيلُ:

بِأَنْ يَذَكُرَ الشَّيْءَ مُعَلَّلًا فَإِنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ ذِكْرِهِ بِلَا عِلَّةٍ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَنْصُوصَةَ قَاضِيَةٌ بِعُمُومِ الْمَعْلُولِ وَلِهَذَا اعْتَرَفَتِ الظَّاهِرِيَّةُ بِالْقِيَاسِ فِي الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ.
الثَّانِي: أَنَّ النُّفُوسَ تَنْبَعِثُ إِلَى نَقْلِ الْأَحْكَامِ الْمُعَلَّلَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَغَالِبُ التَّعْلِيلِ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ جَوَابِ سُؤَالٍ اقْتَضَتْهُ الْجُمْلَةُ الْأُولَى وَهُوَ سُؤَالٌ عَنِ الْعِلَّةِ.
وَمِنْهُ: {إن النفس لأمارة بالسوء}. {إن زلزلة الساعة شيء عظيم}. {إن صلاتك سكن لهم}.
وَتَوْضِيحُ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْفَاءَ السَّبَبِيَّةَ لَوْ وُضِعَتْ مَكَانَ (إِنَّ) لَحَسُنَ.
وَالطُّرُقُ الدَّالَّةُ عَلَى الْعِلَّةِ أَنْوَاعٌ:
الْأَوَّلُ: التَّصْرِيحُ بِلَفْظِ الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حكمة بالغة}.
وقال: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة}، وَالْحِكْمَةُ هِيَ الْعِلْمُ النَّافِعُ. وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ.
الثَّانِي: أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا لِكَذَا أَوْ أَمَرَ بِكَذَا لِكَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرض}.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا}.
{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ}.
{لئلا يعلم أهل الكتاب}.
{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لنعلم}.
{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ}.
{وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قلوبكم به} وَهُوَ كَثِيرٌ.
فَإِنْ قِيلَ: اللَّامُ فِيهِ لِلْعَاقِبَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}، وقوله: {ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة}، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُعَلَّلُ.
فَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا: إِنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُعَلَّلُ أَيْ لَا تَجِبُ وَلَكِنَّهَا لَا تَخْلُو عَنِ الْحِكْمَةِ وَقَدْ أَجَابَ الْمَلَائِكَةَ عَنْ قَوْلِهِمْ: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يفسد فيها} بقوله: {قال إني أعلم ما لا تعلمون}.
وَلَوْ كَانَ فِعْلُهُ سُبْحَانَهُ مْجَرَّدًا عَنِ الْحِكَمِ وَالْغَايَاتِ لَمْ يَسْأَلِ الْمَلَائِكَةُ عَنْ حِكْمَتِهِ وَلَمْ يَصِحَّ الْجَوَابُ بِكَوْنِهِ يَعْلَمُ مَا لَا يَعْلَمُونَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالْمَصَالِحِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ، وَلِأَنَّ لَامَ الْعَاقِبَةِ إِنَّمَا تَكُونُ فِي حَقِّ مَنْ يَجْهَلُ الْعَاقِبَةَ كَقَوْلِهِ: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} وَأَمَّا مَنْ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فَمُسْتَحِيلَةٌ فِي حَقِّهِ وَإِنَّمَا اللَّامُ الْوَارِدَةُ فِي أَحْكَامِهِ وَأَفْعَالِهِ لَامُ الْحِكْمَةِ وَالْغَايَةِ الْمَطْلُوبَةُ مِنَ الْحِكْمَةِ ثُمَّ قَوْلُهُ: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} هُوَ تَعْلِيلٌ لِقَضَاءِ اللَّهِ بِالْتِقَاطِهِ وَتَقْدِيرِهِ لَهُمْ فَإِنَّ التقاطهم لهم إِنَّمَا كَانَ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ وَذَكَرَ فِعْلَهُمْ دُونَ قَضَائِهِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي كَوْنِهِ حَزَنًا لَهُمْ وَحَسْرَةً عَلَيْهِمْ.

.قَاعِدَةٌ تَفْسِيرِيَّةٌ:

حَيْثُ دَخَلَتْ وَاوُ الْعَاطِفِ عَلَى لَامِ التَّعْلِيلِ فَلَهُ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا مُعَلِّلُهُ مَحْذُوفٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا}، فَالْمَعْنَى وَلِلْإِحْسَانِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ فَعَلَ ذَلِكَ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى عِلَّةٍ أُخْرَى مُضْمَرَةٍ لِيُظْهِرَ صِحَّةَ الْعَطْفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَخَلَقَ اللَّهُ السماوات والأرض بالحق ولتجزى}، التَّقْدِيرُ: لِيَسْتَدِلَّ بِهَا الْمُكَلَّفُ عَلَى قُدْرَتِهِ تَعَالَى وَلِتُجْزَى. وَكَقَوْلِهِ: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ ولنعلمه}، التَّقْدِيرُ: لِيَتَصَرَّفَ فِيهَا وَلِنُعَلِّمَهُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ: أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ عَطْفُ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ، وَفِي الثَّانِي عَطْفُ مُفْرَدٍ عَلَى مُفْرَدٍ.
وَقَدْ يَحْتَمِلُهُمَا الْكَلَامُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ}، فَالتَّقْدِيرُ عَلَى الْأَوَّلِ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً فِعْلُنَا ذَلِكَ، وَعَلَى الثَّانِي: وَلِنُبَيِّنَ لِلنَّاسِ قُدْرَتَنَا وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً وَيَطَّرِدُ الْوَجْهَانِ فِي نَظَائِرِهِ وَيُرَجَّحُ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ الْمَقَامِ وَحَذْفُ الْمُعَلِّلِ هَاهُنَا أَرْجَحُ إِذْ لَوْ فَرَضَ عِلَّةً أُخْرَى لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ مُعَلِّلٍ مَحْذُوفٍ وَلَيْسَ قَبْلَهَا مَا يَصْلُحُ له.
فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ قُدِّرَ الْمُعَلِّلُ مُؤَخَّرًا؟.
قُلْتُ: فَائِدَةُ هَذَا الْأُسْلُوبِ هُوَ أَنْ يُجَاءَ بِالْعِلَّةِ بِالْوَاوِ لِلِاهْتِمَامِ بِشَأْنِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُقَدِّرَ عِلَّةً أُخْرَى لِيَعْطِفَ عَلَيْهَا فَيَكُونُ اخْتِصَاصُ ذِكْرِهَا لِكَوْنِهَا أَهَمُّ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى تَقْدِيرِ مُعَلِّلٍ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُؤَخَّرًا لِيُشْعِرَ تَقْدِيمُهُ بِالِاهْتِمَامِ.
الثَّالِثُ: الْإِتْيَانُ بِكَيْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ}، فَعَلَّلَ سُبْحَانَهُ الْفَيْءَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَصْنَافِ كَيْلَا يَتَدَاوَلَهُ الْأَغْنِيَاءُ دُونَ الْفُقَرَاءِ.
وَقَوْلِهِ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إن ذلك على الله يسير لكيلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتاكم}، وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ قَدَّرَ مَا يُصِيبُهُمْ مِنَ الْبَلَاءِ فِي أَنْفُسِهِمْ قَبْلَ أَنْ تَبْرَأَ الْأَنْفُسُ أَوِ الْمُصِيبَةُ أَوِ الْأَرْضُ أَوِ الْمَجْمُوعُ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ مَصْدَرَ ذَلِكَ قُدْرَتُهُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ هَيِّنٌ عَلَيْهِ وَحِكْمَتُهُ الْبَالِغَةُ الَّتِي مِنْهَا أَلَّا يَحْزَنَ عِبَادُهُ عَلَى مَا فَاتَهُمْ وَلَا يَفْرَحُوا بِمَا آتَاهُمْ فَإِنَّهُمْ إِذَا عَلِمُوا أَنَّ الْمُصِيبَةَ فِيهِ مُقَدَّرَةٌ كَائِنَةٌ وَلَا بُدَّ قَدْ كُتِبَتْ قَبْلَ خَلْقِهِمْ هَانَ عَلَيْهِمُ الْفَائِتُ فَلَمْ يَأْسُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَفْرَحُوا.
الرَّابِعُ: ذِكْرُ الْمَفْعُولِ لَهُ وَهُوَ عِلَّةٌ لِلْفِعْلِ الْمُعَلَّلِ بِهِ كَقَوْلِهِ: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً}.
وَنَصْبُ ذَلِكَ عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ أَحْسَنُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ: {لِتُبَيِّنَ للناس ما نزل إليهم}.
وقوله: {ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون}.
وقوله: {ولقد يسرنا القرآن للذكر}، أَيْ لِأَجْلِ الذِّكْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّمَا يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون}.
وقوله: {فالملقيات ذكرا عذرا أو نذرا}، أَيْ لِلْإِعْذَارِ وَالْإِنْذَارِ.
وَقَدْ يَكُونُ مَعْلُولًا بِعِلَّةٍ أُخْرَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حذر الموت}، فَـ: (مِنَ الصَّوَاعِقِ) يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ فِيهِ (مِنْ) لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فَتَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ أَيْ خَوْفًا مِنَ الصَّوَاعِقِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُعَلِّلَةً بِمَعْنَى اللَّامِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ} أَيْ لِغَمٍّ وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فَـ: (مِنَ الصَّوَاعِقِ) فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ وَالْعَامِلُ فِيهِ (يَجْعَلُونَ). (وَحَذَرَ الْمَوْتِ) مَفْعُولٌ لَهُ أَيْضًا فَالْعَامِلُ فِيهِ (مِنَ الصَّوَاعِقِ) فَـ: (مِنَ الصَّوَاعِقِ) عِلَّةٌ لِـ: (يَجْعَلُونَ). مَعْلُولٌ لِحَذَرَ الْمَوْتِ لِأَنَّ الْمَفْعُولَ الْأَوَّلَ الَّذِي هُوَ (مِنَ الصَّوَاعِقِ) يَصْلُحُ جَوَابًا لِقَوْلِنَا: لِمَ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ؟ وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ (حَذَرَ الْمَوْتِ) يَصْلُحُ جَوَابًا لِقَوْلِنَا: لِمَ يَخَافُونَ مِنَ الصَّوَاعِقِ؟ فَقَدْ ظَهَرَ ذَلِكَ.
الْخَامِسُ: اللَّامُ فِي الْمَفْعُولِ لَهُ، وَتَقُومُ مَقَامَهُ الْبَاءُ، نَحْوَ: {فبظلم من الذين هادوا}.
ومن، نحو: {من أجل ذلك كتبنا}.
وَالْكَافُ، نَحْوَ: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ}، وقال: {فاذكروني أذكركم}، وقال: {فاذكروا الله كما علمكم} أَيْ لِإِرْسَالِنَا وَتَعْلِيمِنَا.
السَّادِسُ: الْإِتْيَانُ بِإِنَّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
{وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم}.
{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}.
{فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا}.
وَكَقَوْلِهِ: {فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يسرون وما يعلنون}، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَوْلُهُمْ لَمَا حَزِنَ الرَّسُولُ وَإِنَّمَا جِيءَ بِالْجُمْلَةِ لِبَيَانِ الْعِلَّةِ وَالسَّبَبِ فِي أَنَّهُ لَا يُحْزِنُهُ قَوْلُهُمْ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إن العزة لله جميعا} وَالْوَقْفُ عَلَى الْقَوْلِ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وَالِابْتِدَاءُ بإن لازم.
وقد يكون علة كَقَوْلِهِ: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءَتْ مستقرا ومقاما} وَفِيهَا وَجْهَانِ لِأَهْلِ الْمَعَانِي.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ سُؤَالَهُمْ لِصَرْفِ الْعَذَابِ مُعَلَّلٌ بِأَنَّهُ غَرَامٌ أَيْ مُلَازِمٌ الْغَرِيمَ وَبِأَنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا.
الثَّانِي: أَنَّ (سَاءَتْ). تَعْلِيلٌ لِكَوْنِهِ غَرَامًا.
السَّابِعُ: أَنَّ وَالْفِعْلُ الْمُسْتَقْبَلُ بَعْدَهَا تَعْلِيلًا لِمَا قَبْلَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الكتاب على طائفتين من قبلنا}.
وقوله تعالى: {أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله}.
وَقَوْلِهِ: {تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا ألا يجدوا ما ينفقون}.
كَأَنَّهُ قِيلَ: لِمَ فَاضَتْ أَعْيُنُهُمْ مِنَ الدَّمْعِ؟ قِيلَ: لِلْحُزْنِ، فَقِيلَ: لِمَ حَزِنُوا؟ فَقِيلَ: لِئَلَّا يَجِدُوا.
وَقَوْلِهِ: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخرى}.
وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ. وَفِي ذَلِكَ طَرِيقَانِ:
أَحَدُهُمَا: لِلْكُوفِيِّينَ، أَنَّ الْمَعْنَى لِئَلَّا يَقُولُوا وَلِئَلَّا تَقُولُ نَفْسٌ.
الثَّانِي: لِلْبَصْرِيِّينَ، أَنَّ الْمَفْعُولَ مَحْذُوفٌ، أَيْ كَرَاهَةَ أَنْ يَقُولُوا أَوْ حَذَارِ أَنْ يَقُولُوا فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ الطَّرِيقَانِ فِي قَوْلُهُ: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}؟ فَإِنَّكَ إِذَا قَدَّرْتَ: (لِئَلَّا تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا) لَمْ يَسْتَقِمْ عَطْفُ (فَتُذَكِّرَ) عَلَيْهِ وَإِنْ قَدَّرْتَ: (حَذَارِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا) لَمْ يَسْتَقِمِ الْعَطْفُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الضَّلَالَةُ عِلَّةً لشهادتهما.
قِيلَ: بِظُهُورِ الْمَعْنَى يَزُولُ الْإِشْكَالُ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ إذكار إحداهما الأخرى إذا ضلت نسيت، فَلَمَّا كَانَ الضَّلَالُ سَبَبًا لِلْإِذْكَارِ جُعِلَ مَوْضِعَ العلة، تَقُولُ: (أَعْدَدْتُ هَذِهِ الْخَشَبَةَ أَنْ تَمِيلَ الْحَائِطُ فَأُدَعِّمُ بِهَا)، فَإِنَّمَا أَعْدَدْتُهَا لِلدَّعْمِ لَا لِلْمَيْلِ، وَأَعْدَدْتُ هَذَا الدَّوَاءَ أَنْ أَمْرَضَ فَأُدَوَاى بِهِ وَنَحْوُهُ. هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ وَالْبَصْرِيِّينَ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: تَقْدِيرُهُ فِي: (تُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) إِنْ ضَلَّتْ فَلَمَّا تَقَدَّمَ الْجَزَاءُ اتَّصَلَ بِمَا قَبْلَهُ فَفُتِحَتْ (أَنْ).
الثَّامِنُ: (مِنْ أَجْلِ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أنه من قتل نفسا بغير نفس} فَإِنَّهُ لِتَعْلِيلِ الْكَتْبِ، وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ الْوَقْفُ على: {من النادمين} وَظَنَّ قَوْمٌ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: {مِنَ النَّادِمِينَ}، أَيْ مِنْ أَجْلِ قَتْلِهِ لِأَخِيهِ وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ يُشَوِّشُ صِحَّةَ النَّظْمِ وَيُخِلُّ بِالْفَائِدَةِ.
فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ يَكُونُ قَتْلُ أَحَدِ ابْنَيْ آدَمَ لِلْآخَرِ عِلَّةً لِلْحُكْمِ عَلَى أُمَّةٍ أُخْرَى بِذَلِكَ الْحُكْمِ؟ وَإِذَا كَانَ عِلَّةً فَكَيْفَ كَانَ قَتْلُ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ بِمَنْزِلَةِ قَاتِلِ النَّاسِ كُلِّهِمْ؟.
قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ- سُبْحَانَهُ- يَجْعَلُ أَقْضِيَتَهُ وَأَقْدَارَهُ عِلَلًا لِأَسْبَابِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَمْرِهِ فَجَعَلَ حُكْمَهُ الْكَوْنِيَّ الْقَدَرِيَّ عِلَّةً لِحِكْمَةِ أَمْرِهِ الدِّينِيِّ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَمَّا كَانَ مِنْ أَعْلَى أَنْوَاعِ الظُّلْمِ وَالْفَسَادِ فَخَّمَ أَمَرَهُ وَعَظَّمَ شَأْنَهُ وجعل أنمة أَعْظَمَ مِنْ إِثْمِ غَيْرِهِ وَنَزَّلَ قَاتِلَ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ مَنْزِلَةَ قَاتِلِ الْأَنْفُسِ كُلِّهَا فِي أَصْلِ العذاب لا في وصفه.
التاسع: التعليل بلعل، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ من قبلكم لعلكم تتقون}، قِيلَ: هُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: (اعْبُدُوا)، وَقِيلَ لِقَوْلِهِ: (خَلَقَكُمْ).
وَقَوْلِهِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ من قبلكم لعلكم تتقون} حَيْثُ لُمِحَ فِيهَا مَعْنَى الرَّجَاءِ رَجَعَتْ إِلَى الْمُخَاطَبِينَ.
الْعَاشِرُ: ذِكْرُ الْحُكْمِ الْكَوْنِيِّ أَوِ الشَّرْعِيِّ عَقِبَ الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ لَهُ، فَتَارَةً يُذْكَرُ بِأَنَّ وَتَارَةً بِالْفَاءِ وَتَارَةً يُجَرَّدُ.
فَالْأَوَّلُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فردا وأنت خير الوارثين} إلى قوله: {خاشعين}. وَقَوْلِهِ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ محسنين}.
والثاني: كقوله: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}. {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جلدة}.
وَالثَّالِثُ: كَقَوْلِهِ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادخلوها بسلام} {إن الذين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هم يحزنون}.
الْحَادِي عَشَرَ: تَعْلِيلُهُ سُبْحَانَهُ عَدَمَ الْحُكْمِ بِوُجُودِ الْمَانِعِ مِنْهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ} الْآيَةَ.
وَقَوْلِهِ: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لبغوا في الأرض}.
{وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كذب بها الأولون}، أَيْ آيَاتِ الِاقْتِرَاحِ لَا الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ الرُّسُلِ الَّتِي تَأْتِي مِنْهُ سُبْحَانَهُ ابْتِدَاءً.
وَقَوْلِهِ: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فصلت آياته}.
وقوله: {وقالوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لقضي الأمر}، فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يَمْنَعُ مِنْ إِنْزَالِ الْمَلَكِ عَيَانًا بِحَيْثُ يُشَاهِدُونَهُ وَإِنَّ عِنَايَتَهُ وَحِكْمَتَهُ بِخَلْقِهِ اقضت مَنْعَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَوْ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْمَلَكَ ثُمَّ عَايَنُوهُ وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ لَعُوجِلُوا بِالْعُقُوبَةِ جعل الرَّسُولُ بَشَرًا لِيُمْكِنُهُمُ التَّلَقِّي عَنْهُ وَالرُّجُوعُ إِلَيْهِ وَلَوْ جَعَلَهُ مَلَكًا فَإِمَّا أَنْ يَدَعَهُ عَلَى هَيْئَتِهِ الْمَلَكِيَّةِ أَوْ يَجْعَلَهُ عَلَى هَيْئَةِ الْبَشَرِ وَالْأَوَّلُ يَمْنَعُهُمْ مِنَ التَّلَقِّي عَنْهُ وَالثَّانِي لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ إِذَا كَانُوا يَقُولُونَ: هُوَ بَشَرٌ لَا مَلَكٌ.
الثَّانِي عَشَرَ: إِخْبَارُهُ عَنِ الْحِكَمِ والغايات التني جَعَلَهَا فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، كَقَوْلِهِ: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وأنزل من السماء ماء} الآية.
وقوله: {ألم نجعل الأرض مهادا} الْآيَاتِ.
وَقَوْلِهِ: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا}. الْآيَةَ.
وَكَمَا يَقْصِدُونَ الْبَسْطَ وَالِاسْتِيفَاءَ يَقْصِدُونَ الْإِجْمَالَ وَالْإِيجَازَ كَمَا قِيلَ:
يَرْمُونَ بِالْخُطَبِ الطِّوَالِ وَتَارَةً ** وَحْيَ الْمُلَاحِظِ خِيفَةَ الرُّقَبَاءِ

وَقَوْلِهِ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا}.
الْأُسْلُوبُ الثَّانِي: الْحَذْفُ.
وَهُوَ لُغَةً الْإِسْقَاطُ، وَمِنْهُ حَذَفْتُ الشِّعْرَ إِذَا أَخَذْتُ مِنْهُ.
وَاصْطِلَاحًا إِسْقَاطُ جُزْءِ الْكَلَامِ أَوْ كُلِّهِ لِدَلِيلٍ. وَأَمَّا قَوْلُ النَّحْوِيِّينَ الْحَذْفُ لِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَيُسَمَّى اقْتِصَارًا، فَلَا تَحْرِيرَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا حَذْفَ فِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِيمَا يَلْتَبِسُ بِهِ الْإِضْمَارُ وَالْإِيجَازُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ شَرْطَ الْحَذْفِ وَالْإِيجَازِ أَنْ يَكُونَ (فِي الْحَذْفِ) ثَمَّ مُقَدَّرٌ، نَحْوَ: {وَاسْأَلِ القرية} بِخِلَافِ الْإِيجَازِ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنِ اللَّفْظِ الْقَلِيلِ الجامع للمعاني الجمة بنفسه.
والفرق بينه وَبَيْنَ الْإِضْمَارِ: أَنَّ شَرْطَ الْمُضْمَرِ بَقَاءُ أَثَرِ الْمُقَدَّرِ فِي اللَّفْظِ، نَحْوَ: {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}. {ويعذب المنافقين}. {انتهوا خيرا لكم}. أَيِ ائْتُوا أَمْرًا خَيْرًا لَكُمْ وَهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَذْفِ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْإِضْمَارِ مِنْ مُلَاحَظَةِ الْمُقَدَّرِ بَابُ الِاشْتِقَاقِ فَإِنَّهُ مِنْ أَضْمَرْتُ الشَّيْءَ أَخْفَيْتُهُ، قَالَ:
سَيَبْقَى لَهَا فِي مُضْمَرِ الْقَلْبِ وَالْحَشَا

وَأَمَّا الْحَذْفُ فَمِنْ حَذَفْتُ الشَّيْءَ قَطَعْتُهُ وَهُوَ يُشْعِرُ بِالطَّرْحِ بِخِلَافِ الْإِضْمَارِ وَلِهَذَا قَالُوا: (أَنْ) تَنْصُبُ ظَاهِرَةً وَمُضْمَرَةً.
وَرَدَّ ابْنُ مَيْمُونٍ قَوْلَ النُّحَاةِ: إِنَّ الْفَاعِلَ يُحْذَفُ فِي بَابِ الْمَصْدَرِ وَقَالَ الصَّوَابُ: أَنْ يُقَالَ: يُضْمَرُ وَلَا يُحْذَفُ لِأَنَّهُ عُمْدَةٌ فِي الْكَلَامِ.
وَقَالَ ابْنُ جِنِّي فِي (خَاطِرِيَّاتِهِ): مِنَ اتِّصَالِ الْفَاعِلِ بِالْفِعْلِ أَنَّكَ تُضْمِرُهُ فِي لَفْظٍ إِذَا عَرَفْتَهُ نَحْوَ قُمْ وَلَا تَحْذِفَهُ كَحَذْفِ الْمُبْتَدَأِ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَنَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْكِسَائِيُّ فِي ضَرَبَنِي وضربت قومك.